هادي في المهرة .. مهمة تحت الضغط
يمنات
صلاح السقلدي
لا غرو مِنْ أنّ يَنْصبُّ الاهتمام السعودي بموضوع إعادة الإعمار على محافظة المهرة – أقصى الشرق الجنوبي – وهي المحافظة التي ظلّتْ بمنأى عن تأثير الحرب، ولم تطالها طلقة رصاص واحدة أو تنهدُّ فيها حجرة واحدة من مبنى، وذلك لأهمية هذه المحافظة بالنسبة لأجندة وإضبارات المملكة العربية السعودية الضخمة في اليمن، كما هو شأن الاهتمام الإماراتي في جزيرة سقطرى – وغير سقطرى – والتي هي الأخرى لم ينلها أي ضرر بالحرب، وبالتالي لا يمكن الاستماع إلى أي حديث عن إعادة إعمار فيهما (المهرة وسقطرى) من دون التوجس من النوايا التي تختفي خلف هذه الأحاديث، في وقت ترزح فيه كثير من محافظات الجنوب تحت وطأة الدمار والخراب والفوضى وتدهور الخدمات وتردي الأوضاع المعيشية، وتسوء فيها الأوضاع الأمنية يوماً إثر يوم، في وقت لم تتقدم فيه السعودية والإمارات برفع حجرة واحدة من أكوام الانقاض التي تغطي المحافظات المتضررة – وعدن على وجه الخصوص- وهي العاصمة التي يجب أن تشرع بها عميلة الإعمار قبل غيرها منذ ثلاث سنوات، فضلاً عن أنها المحافظة الأكثر تضرراً أصلاً قياسياً بغيرها من محافظات، وعلى الرغم من ذلك فالحديث عن الإعمار بهذه المحافظات لا يتعدى حدود تهدئة الخواطر بين الفينة والأخرى كحُقن مهدئة، كلما أزمةُ أزمتْ بين أطراف «الشرعية» و«التحالف» والقوى الجنوبية المتحالفة معهم، وكلما شعر «التحالف» بتململ الشارع الجنوبي.
فالسعودية منذ اليوم الأول لهذه الحرب مطلع العام 2015، بل قُل منذ عشرات السنين وعينها تجحظ بشدة على محافظة المهرة لأهميتها الجيوسياسية الكبرى بالنسبة لها، ولما تحتويه من موانئ وجغرافيا شاسعة وثروات وجزر، وترتبط بحدود مباشرة مع سلطة عُمان التي ترى فيها السعودية بالسنوات الأخيرة خارجة عن السرب الخليجي وعن الوصاية السعودية التاريخية على القرار الخليجي برمته. وعلى خلفية ذلك، تسعى الرياض للإطباق على السلطنة من الجنوب والجنوب الغربي براً وبحراً، حين حشدت قواتها بكثافة إلى المهرة بعد أن فعلت الإمارات ذات الأمر قبلها تحت ذريعة مكافحة تهريب الصواريخ البالستية الإيرانية عبر أراضي العمانية، وهي التهمة التي نفتها عمان بشدة، قبل أن تتوارى هذه التهمة لاحقاً بعد أن أكملت الإمارات وجودها العسكري هناك، وهو الوجود الذي اعتبرته الرياض تمدداً وطمعاً إماراتياً مبالغاً فيه وعلى حساب النفوذ السعودي يجب التصدي له بذات الذريعة التي اتت بها القوات الإماراتية»، وهي منع تهريب الصواريخ الإيرانية عبر عُمان.
كما لا تقل أهميتها أي المهرة عن محافظة حضرموت التي تتطلع السعودية إليها أيضاً بشوق لاحتوائها والاستئثار بها بعد أن لاحتْ لها الفرصة التاريخية بهذه الحرب لتبتلعها عبر الأذرع المحلية، وبالذات الأذرع القبلية والدينية السلفية، والتجارية والرموز العسكرية، لتستحوذ بالتالي على كل طاقاتها الهائلة وموقعها الاستراتيجي في منطقة تمور بالاضطرابات، وتطل عبرها وعبر المهرة على بحر العرب، كنافذة اقتصادية وسياسية وعسكرية سعودية تمرر من خلالها نفطها، وتختصر المسافة إلى السوق النفطية في شرق أسيا وأمريكا، وتفلت في ذات الوقت من قبضة اليد الإيرانية الغليظة المبسوطة في مضيق هرمز، في وقت تستعر فيه الحرب الإعلامية الأمريكية السعودية بوجه طهران بعد أن دخل النفط كلاعب قوي في خضم التوتر في المنطقة وفي مضائقها بالذات: «هرمز وباب المندب» وما القرار السعودي بإيقاف مرور صادراتها عبر باب المندب إلا أحد صور هذا الصراع الإقليمي الدولي.
فلا شك أن السعودية ومعها الإمارات ستتخذا من موضوع إعادة الإعمار في اليمن السلاح الأمضى لهما في مرحلة ما بعد هذه الحرب لتحققا ما أخفقت الحرب تحقيقه وتستكمل به حضورهما على الأرض براً وبحراً، شمالاً وجنوباً، وتتخذ مستقبلاً – بل لقد شرعتا اليوم بالفعل – من موضوع إعادة الإعمار ورقة ضغط سياسية اقتصادية تركيعية قوية ليس فقط بوجه القوى المناوئة لها، بل والموالية لها، وما زيارة هادي للمهرة إلا باكورة هذه الضغوطات لتنفيس الاحتقان الحاصل في المحافظة ولتسوية الأرضية تحت جنازير الدبابات «السعوإماراتية».
وهي الزيارة التي أتت بعد أسابيع من توتر الأوضاع هناك، واستعار الحرب غير المباشرة بين السعودية والإمارات من جهة، ودولة قطر عبر حزب الإصلاح «إخوان اليمن» من جهة ثانية، بعد شعور الرياض وأبو ظبي من أن قطر عبر حزب «الاصلاح» استطاعتْ أن تحرّك الشارع المهري إلى حد ما بوجه وجودهما العسكري هناك، وتحشره بالزاوية ولو مؤقتاً، في ظل تنافس خليجي محموم في اليمن وفي الجنوب بالذات، خصوصاً بعد أن تم طرد قطر من البيت الخليجي على إثر الأزمة السياسية الأخيرة بينهم، وذلك لتنتزع السعودية والإمارات من هادي وزيارته أمرين على الأقل: الأول شرعنة الوجود العسكري السعودي – الإماراتي أمام العالم في محافظات هي بالأصل لا علاقة مباشرة بالحرب وتبعد مئات بل آلاف الكيلومترات عن صنعاء التي يتطلع «التحالف» للسيطرة عليها – كما تهدف من وراء هذه الزيارة تسليط الضوء على المشاريع التي قيل إن السعودية تعتزم تنفيذها هناك، ومنها المستشفى المزمع بنائه والذي تم تحديد أسمه مسبقا بـ«مستشفى الملك سلمان»، لتبدو السعودية أنها تولي الجانب الانساني والخدمي أهمية، وأنها قد بدأت بموضع إعادة الإعمار، في ظل تصاعد التقارير الدولية التي تتحدث عن التدهور المريع الذي يضرب كل مناح الحياة في اليمن، وتأخر الشروع بإعادة الإعمار بمحافظات باتت تحت سيطرة «التحالف» منذ أكثر من ثلاثة أعوام.
المصدر: العربي
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.